كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمال هنا ليس وقفا على النقدين الذهب والفضة وإنما المال كل ما يتمنى الإنسان ويملكه من نقدين أومن عقار أو أراض أو من غير ذلك كعروض التجارة، هذا كله يدخل تحت مسمى المال كالخيل والفرس وما أشبه ذلك مما يملكه الإنسان.
فالله جل وعلا يقول إن النفوس جبلت على حب المال فإذا بلغ الإنسان مرتبة يتخلى فيها عما يحب لشيء أعظم وهو حبه لله جل وعلا كان ذلك موصل لطريق الخير والبر.
{لن تنالوا البر} لن تحصلوا عليه لن تدركوه.
{حتى تنفقوا مما تحبون} أي حتى يتخلى الإنسان عن محبة الدنيا والتعلق بها ويصل بنفسه إلى مرحلة يتخلى عن ما يحب من أجل ما عند الله جل وعلا من ثواب وعطاء وجزاء.
ثم قال سبحانه: {وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} كل ما أنفقه الإنسان مهما عظم أو حقر فإن الله جل وعلا يعلمه ويكتبه له إن خيرا فخير وإن كان غير ذلك فغير ذلك.
جيل الصحابة أعظم جيل بلا شك:
هذه الآية لما نزلت كان جيل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أعظم جيل بلا شك، ناصروا نبينا صلى الله عليه وسلم وأيدوه ووقفوا معه، هم شامة في جبين الأيام وتاج في مفرق الأعوام رضي الله عنهم وأرضاهم، لما نزلت هذه الآية تسابقوا رضوان الله تبارك وتعالى عليهم في الإنفاق مما يحبون، ومما نقل نقلا صحيحا ما في الصحيحين من حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه كما روى عنه أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة هذا الصحابي الجليل كانت له نخل في مقدمة المسجد النبوي تسمى بئر بالنبر وبير بالياء بئر حاء كانت في مقدمة المسجد وكان ماؤها عذب طيب كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ذلك النخل ويشرب من ذلك الماء الطيب، فلما نزلت هذه الآية عمد هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه وأشهد النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذا النخل صدقة في سبيل الله فقبلها عليه الصلاة والسلام وقال له: من باب الإرشاد «اجعلها في أقربائك»، فجعلها أبو طلحة رضي الله عنه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده في اثنين من الأنصار هما حسان بن ثابت وأبي بن كعب وكانا ذا قرابة من أبي طلحة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
كما نقل من وجه آخر أن زيد بن حارثه الذي جاء ذكره في القران أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت له فرس تسمى سبل وكانت أثيرة عنده مقربة لديه فلما أنزل الله جل وعلى قوله: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} جاء زيد رضي الله عنه إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وقال: يا نبي الله إن فرسي سبل أحب مالي إلي وقد أشهدتك أني جعلتها صدقة في سبيل الله وأعطاها النبي عليه الصلاة والسلام ليتصدق بها فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أسامه بن زيد وأعطاه الفرس فلما أعطاه الفرس قال صلى الله عليه وسلم: «اقبضه يا أسامه» تغير وجه زيد لأنه ما كان يريد أن يأخذها ولده حتى يشعر أنه أنفق بعيدا، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تغير وجه زيد قال: «يا زيد إن الله جل وعلا قد قبل صدقتك منك». موضع الشاهد أن المقصود إخراج حب المال من القلوب، أما أين يقع المال مسألة لا تهم إذا اجتهد الإنسان وبذل جهده، قد يقع في قرابة قد يقع في غير قرابة يجتهد الإنسان، والإنسان مأمور أن يجتهد أين يضع ماله لكن المهم إخراج الدنيا من القلوب.
ينبغي على الإنسان أن يتبع السنة بفهم للسنة لا بفهمه هو:
وليس معنى ذلك أن يأتي الإنسان لشيء يتقوت به وينفق به على عياله ولا يملك غيره ثم ينفقه كما نسمع بين الحين والآخر فإن هذا قد يكون في بعض الأحايين مخالفا للصواب قال الله جل وعلا: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا (29) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أنه كان بعباده خبيرا بصيرا (30)} سورة الإسراء. فالإنفاق أن ينفق الإنسان من أحب ما لديه نعم، ولكن ينظر نظرة توازن في أهله وذويه وأبناءه ومن لهم حق عليه، والناس في هذا يختلفون اختلافا جذريا، ليس معنى أنهم يختلفون في الإيمان، نعم هم كذلك لكن في هذا الشأن لا، إنما يختلفون في قضية أن من الناس من يستطيع أن يعوض ومن الناس من لا يستطيع أن يعوض، ولو ذهب ليقترض لا يقرضه أحد. فهذا لو أنفق ماله كله أصبح أشد ممن أنفق عليه وأشد ممن طلبه مالا فأعطاه ولا يقول بهذا عاقل لكن يوجد إنسان له جاه وله قدره أن يستدين يحبه الناس ومعروف، إمام مسجد، خطيب، مدير، موظف كبير هذا لو أعطى ماله كله يستطيع أن يعوضه، أو رجل تاجر حتى لو أنفق اليوم ماله كله غدا يكسب شيء آخر. على هذا يحمل ما فعله الصحابة، لا يأتي إنسان يقول أبو بكر رضي الله عنه أنفق ماله كله.
نعم أبو بكر رضي الله عنه أنفق ماله كله لكن أبو بكر رضي الله عنه كان تاجرا ما ينفقه اليوم يعوضه غدا، لكن لا يأتي الإنسان كما نسمع في بعض الحملات في بعض المناسبات كحملة الانتفاضة أو غيرها يأتي الإنسان سمعت هذا بأذني لا يملك إلا السيارة التي ينقل عليها الماء يسميها العامة وايت، فلما تبرع بها قال: يعلم الله أنني لا أملك غيرها وبها أقتات لأبنائي، ثم قال: جعلتها في سبيل الله، هذا ليس بحق ولا برشد وليس بعقل نسأل الله أن يتقبل منه نعم، لكن هذا أمر لا يقبل لماذا؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت». هذا الرجل إذا أمسى وأبناءه لا يجدون طعاما وبناته في ظل هذا الزمن الذي يحتاج فيه الناس إلى الدينار والدرهم كره أبناه الدين لأنهم يشعرون أن الدين هو السبب في إنفاق المال كله، المقصود أن الإنسان يتبع السنة بفهم للسنة لا بفهمه هو، إنما كما فهمها الصحابة رضي الله عنهم، أبو طلحه رضي الله عنه رجل غني رجل ثري من ماله المحبب إليه مزرعة بجوار المسجد أحب ماله إليه معنى أن ماله كثير ولكن هذا أحب ماله إليه. كإنسان عنده مزرعة وعنده قصر أفراح وعنده عمائر وعنده أبناء يقوتهم. وأحب ماله إليه المزرعة أو قصر الأفراح فتصدق بقصر الأفراح تصدق بالبناية تصدق بالمزرعة هذا طبق السنة.
أما أن يأتي إنسان وهذا يمر علينا بحكم مخالطتنا للناس يأتي شاب لا يملك إلا راتبه وقد يأتيه الراتب أحيانا أو موظف في شركه مرة يثبت ومرة لا يثبت ثم يأتي ويقول: أنفقت مالي كله لمؤسسة كذا أو جمعية كذا أو لسبب كذا، هذا يا بني الإنسأن يكون راشدا عاقلا لا يتكلف مفقود ولا يرد موجود يمشى بخطى والله أعلم بما في صدور العالمين، ولا حاجة لأن يرى الناس ماذا تصنع.
نقول: عموما أن الإنفاق من أعظم أسباب حصول الخير، لكن كما قلت بضوابطه الشرعية. وكلما كان في السر كان أعظم وأبلغ قال عليه الصلاة والسلام لما ذكر السبعة: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» وليست العبرة بالكثرة بقدر ما العبرة أن يصيب مال الإنسان ذا فاقة يحتاجها وكلما كان ذا قرابة كان أولى وأحرى لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أبا طلحه أن يضعها في قرابته فوضعها كما ذكرنا عند حسا ن وعند وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
هذا المعنى الإجمالي للآية أما ما يتعلق بها علميا:
فإن لن: حرف ناصب يفيد نفي المستقبل كما أن لم: حرف جازم يفيد نفي الزمن الماضي، وأنت طالب علم ستمر عليك لن ولم كثيرا، لن ينفى بها المستقبل ولم ينفى بها الماضي وكلاهما يؤثر في الفعل بعده.
فلن تنصب الفعل ولم تجزمه. وإذا طبقتها على الآية الله عز وجل يقول: {لن تنالوا} أصل الفعل تنالون بنون زائدة في آخر الفعل وتسمى نون علامة ثبوت النون من الأفعال الخمسة.
لما دخلت لن حذفت النون فأصبحت {لن تنالوا} بدون نون ثم توضع ألف للدلالة على أن هذه الواو واو الجماعة.
{لن تنالوا البر} اختلف العلماء في المقصود بالبر قيل أنه الجنة وهذا رأي ابن مسعود وابن عبا س رضي الله عنهم والسدي رحمه الله وغيرهم من أئمة التفسير، وإذا قلنا أنه الجنة يصبح تقدير الآية: لن تنالوا ثواب البر الذي هو الجنة. فوضع المقدر مكان ما قدر به. وقيل إن البر اسم جامع لكل خير واختاره ابن السعدي في تفسيره على أن المعنى أن يصل الإنسان إلى الاسم الجامع لكل خير.
والغاية أن يقال إن البر سواء قلنا أنه الجنة أو الطريق إلى الجنة فالمعنى متقارب لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر الصدق قال: «وإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة».
{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} {حتى} هذه يقول عنها بعض النحاة، والنحاة معروفون جمع نحوي وهم مشتغلون بعلم النحو مثل سيبويه وأقرانه، أحدهم قال قبل أن يموت: أموت وفي نفسي شيء من حتى.
والمعنى أن حتى حرف غريب في تأثيره فيما بعده، وذلك أنهم لما نظروا إلى الأحرف وجدوا أن عملها واضح جلي بعضها ينصب وبعضها يجزم وبعضها عطف وبعضها استئنافيه ولها طرائق. ولما جاؤا عند حتى وجدوا أنها تقبل الجميع ويمثلون- وأنا قلت أني مضطر أن أتكلم هكذا لأنك ستفسر القرآن بعدنا فلابد أن تتضح عندك الطرق- يقولون مثلا: أكلت السمكة حتى رأسها أكلت فعل وفاعل والسمكة مفعول به، وبعدها حتى رأسها قالوا: إن قلت أكلت السمكة حتى رأسها بالرفع صح وإن قلت أكلت السمكة حتى رأسها بالنصب صح وإن قلت أكلت السمكة حتى رأسها بالجر صح. هذا الذي أشكل على النحاة وقال قائلهم: أموت وفي نفسي شيء من حتى.
فعلى القول أكلت السمكة حتى رأسها تصبح حتى حرف استئناف ويصبح المعنى أكلت السمكة حتى رأسها أكلت، فتعرب رأسها مبتدأ وأكلت المقدر المحذوف خبر. وإن قلت أكلت السمكة حتى رأسها بالنصب جعلت حتى حرف عطف فعطفت كلمه رأس على السمكة. وإذا قلنا أكلت السمكة حتى رأسها بالجر تصبح حتى حرف جر وما بعدها اسم مجرور.
{حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} وهذا أحد معاني كلمة ما وقلنا فيما سبق أن ما تتكرر في القرآن ولها بحسب سياقها معاني عده فتأتي نافية وتأتي استفهامية، وهنا أتت شرطيه {ما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} إذن الجملة جملة شرط. أداة الشرط: ما، وفعل الشرط: تنفقوا، وجواب الشرط: الجملة الاسمية {فإن الله به عليم}، على هذا الفاء في قول الله: {فإن الله به عليم} واقعة في جواب الشرط.
قصة بني إسرائيل ومن هو إسرائيل؟
ثم قال تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}.
نبين قصة إسرائيل ثم ندخل في مناسبة الآية:
إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء ورزقه الله بعد ما كبر ذريه نص الله على اثنين من هؤلاء الذرية الأكبران الأجلان إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، إسماعيل من هاجر وإسحاق من سارة، ومن إسماعيل جاء نبينا صلى الله عليه وسلم ومن إسحاق جاء يعقوب عليهما السلام.
إلا أن يعقوب عليه السلام الأظهر أنه كان توأما لأخ له يقال له العيس لما ولدتهما أمهما على ما يقول جمهرة المؤرخين ولدت العيس أولا ثم أعقبه يعقوب فسمي يعقوب لأنه جاء في عقب أخيه. والعيس كان محببا إلى إسحاق أكثر من يعقوب وكان يعقوب محبب إلى أمه أكثر من العيس.
من يعقوب هذا؟ بعدما كبر بفترة قابله ملك، الملك هو الذي سمى يعقوب إسرائيل على معنى أن كلمه إسرائيل عابد الرب ككلمه عبدالله أو حولها. إذن يعقوب عليه السلام له اسمان: يعقوب الاسم الذي سماه به أبوه والاسم الثاني إسرائيل. وبهما جاء القرآن قال الله عز وجل: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} سورة هود (71). وقال الله عز وجل: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل}.
من ذريه إسرائيل هذا جاء بنو إسرائيل الذين من هم اليوم؟ هم اليهود.
ومن ذريه إسماعيل جاء العرب المستعربة الذين هم نحن، ومن ذريه العيس جاء الروم الذين هم الأوربيون والأمريكيون اليوم أغلب من هاجر إليها من الأوربيين. إذن الأمريكيون والأوربيون واليهود والعرب كلهم أبوهم إبراهيم عليه السلام، إلا أن إسحاق وإسماعيل كانا نبيين بنص القران أما العيس فلم يكن نبيا وإنما كان محببا لوالده ودعا له كما يقولون أبوه أن يملك غلاض الأرض وأن يرزقه من الثمرات وهذا حاصل كل من يرى ما هم فيه من الثمرات يتذكر دعوة إسحاق عليه السلام لابنه العيس. إلا أن من ذرية إسحاق جاء يعقوب الذي اسمه إسرائيل. فعندما يقال بنو إسرائيل ينسبون إلى جدهم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام. هذا إسرائيل يعقوب تخاصم مع أخيه العيس فخرج، عندما خرج بعد ما تخاصم مع أخيه العيس لم يكن له ذرية ثم رزقه الله ذرية، لما رزقه الله ذرية بارك الله له في ذريته حتى حصل ما حصل من قصة نبي الله يوسف عليهم السلام. ولم يكن يوسف وحيدا ليعقوب وإنما كانوا جملة أخوه ثم تاب الله على إخوة يوسف عليهم السلام.
وعلى الصحيح أن إخوة يوسف هم الأسباط، فالأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب قال الله جل وعلا: {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما} سورة الأعراف (160). أي: قبائل متفرقة كلهم يفيئون إلى الأسباط الإثنى عشر ولد الذين هم من ذرية إسرائيل. من هذه الذرية جاء أنبياء لا يعدون ولا يحصون منهم أيوب واليسع وذو الكفل سليمان وداود حتى وصلوا إلى موسى عليه الصلاة والسلام. فبين موسى وإسرائيل نفسه أمم لا تعد ولا تحصى أو فتره زمنية طويلة أكثر من ستمائة عام.
موسى عليه الصلاة والسلام هو الذي خرج ببني إسرائيل من أرض مصر، وهم سكنوا أرض مصر عند ما جاء يعقوب إلى ابنه يوسف عليهم السلام {وجاء بكم من البدو} سورة يوسف (100).
أنا أريد أن أصل إلى قضية وهي قضية أنه توجد مسافة زمنية طويلة بين بني إسرائيل وبين موسى عليه السلام. التوراة أنزلت على موسى عليه السلام.
الآن نرجع للآية الله جل وعلا يقول: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} اختلف في سببها لكن جملة يقال:
إن اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إن النسخ هذا شيء باطل، إذ ليس من المعقول أنت تأتي تنسخ شريعة موسى عليه السلام وشريعة عيسى عليه السلام وتقول: أنا أتيت بشريعة جديدة، وقالوا أنك تقول أن الله جل وعلى حرم علينا لأن الله في القرآن قال: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا} سورة النساء (160)، وجاء قوله تعالى في سورة الأنعام الآية (146): {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} فقالوا: أنت تقول هذا الكلام وهم يقولون- وناقل الكفر ليس بكافر- يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم قولك هذا كذب هذه الأشياء محرمة علينا منذ إسرائيل بل هي محرمة منذ نوح وإبراهيم،- وهذا زعمهم- هنا الله جل وعلى يقول القول الفصل ولذلك قال بعدها: {قل صدق الله}.
الله يقول لهم: إن الطعام كله كان مباحا طيبا ليعقوب إلا جزئية بسيطة لم يحرمها الله. من الذي حرمها؟ حرمها يعقوب على نفسه. لماذا حرمها؟ ولم يذكر الله لما ذا حرمها، لكن ورد في السنن وفي الآثار أن يعقوب عليه السلام اشتكى عرق النساء- مرض معروف- فلما اشتكى عرق النساء نذر إن الله إذا شفاه من عرق النساء أن يحرم على نفسه أحب شيء إليه فكان يحب لحوم الإبل وألبأنها، فلما شفاه الله حرم على نفسه لحوم الإبل وألبأنها. إذا تحريم يعقوب على نفسه لحوم الإبل وألبأنها كان باجتهاد شخصي منه، ولم يحرم الله على إسرائيل ولا من بعده شيء من الطعام إنما حرمه على قوم موسى لما بغوا حرم الله عليهم ما ذكره الله جل وعلا لنبيه، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول عن ربه: {كل} وهي من ألفاظ العموم في القرآن، {كل الطعام} أي: أي مطعوم كان حلا أي حلالا وجاءت منصوبة لأنها خبر كان.